عَاشِقَانِ _
يَغلِفُنَا ضَبَابٌ خَفِيفْ
غَابَةٌ تُسَوِّرُ مَلقَانَا
وَمَسَاءٌ عَتِيقٌ .. عَتِيقْ
صَفصَافٌ تَتَرَاقَصُ أَورَاقُهُ
وَحَفِيفْ
يُصَفِّقُ لِرِيحٍ تَحمِلُنَا صَوبَ نَهرٍ
لا زَالَ يَجرِي
يَغسِلُ أَقدَامَ شَجَرٍ
يَصطَفُّ احتِفَاءً بِشَمسٍ خَجُولْ
عَاشِقَانِ نَحنُ _
عَطَفنَا إِلى نَهرٍ
عَلَى جَنَاحِ عَاطِفَةٍ
عَاصِفَهْ
تَهِبُّ تَدفَعُنَا
نَتَمَاهَى مَعَ الحَورِ
عَلَى مِعطَفَينَا رَذَاذٌ
وَنِثَارْ
عَلَى شَفَتَيهَا بَقَايَا مَطَرٍ
يَحمِلُنِي إِلَيهَا
نَغِيبُ مَعًا فِي اخضِرَارٍ
يُومِئُ إِلَينَا
أَنِ استَفِيدَا مِن شَوقٍ قَدِيمْ
أَشبِعَا جُوعًا دَفِينْ ..
كَانَتِ الرِّيحُ لنَا مَلعَبًا
وَالنَّهرُ مِرآةً
وَصُوَرًا تَتَرَقرَقُ عَلَى المِيَاهْ
كَانَت شَفَتَاهَا بُرعُمًا رَطبًا
وَالشَّجَرُ الشَّاهِدُ يَنَامُ
فِي مَاءِ عَينَهَا
نَذُوبُ مَعًا كَنَسِيمٍ يَغسِلُ اللَّيلَ
يُوَشِّحُ الصَّخرَ بِالنَّدَى
يُنعِشُ الحَجَرْ ..
عَاشِقَينِ _
كُنَّا وَلا زِلنَا
وَالأُفقُ مَدَانَا
يَتَألَّقُ لِمْ يَرَانَا
لِمْ يَرَانِي بَينَ نَهرَينِ مُتَوَهِّجَينِ
كَشَوقِ يَدَينَا
إِلى اكتِشَافِ ما خَفِيَ عَلَيهَا
بَانَ عَلَيَّ ..
عَاشِقَانِ _
هَادِئَانِ تَارَةً
مُشَاغِبَانِ طَورًا
كَعُصفُورَينِ يَنزَوِيَانِ
يَكتَشِفَانِ الحُبَّ لأَوَّلِ مَرَّهْ
وَمِن ثَمَّ _
يَطِيرَانِ عَلَى جَنَاحِ التَّسبِيحِ
وَالغِنَاءْ
يَتَحَدِّثَانِ عَنَّا
للرِّيحِ .. للقَصَبْ
لاخضِرَارٍ مَشحُونٍ بِعَافِيَةِ النَّمَاءْ
لِزَهرٍ سَقَاهُ البَاري وَاستَرَاحَ
عَلَى مَرأَى البَهَاءْ
لِشَذً يَتَدَفَّقُ
عَاطِرًا بِدِفئِنَا وَنَجوَانَا ..
عَاشِقَانِ _
وَالنَّهرُ صَدِيقٌ رَقِيقْ
والطَّرِيقُ
اعشَوشَبَ الطَّرِيقْ
مَتَى نُشعِلُ النَّارَ بَينَنَا
وُيَزهُو اشتِعَالُنَا المُرجَأُ ؟
مَتَى أحلامُنَا _
عَن وَجهِهَا تَكشَحُ الرَّمَادْ ؟
مَتَى لِجُرحٍ يَلتَئِمُ
لِوَردٍ يَنمُو دُونَمَا رَصَاصٌ
وَغُبَارْ
مَتَى لامرَأَةٍ تَجِيءُ
وَتَجِيئُ بِثَوبِهَا المُوَشَّى
وَالمُزَكَشِ ؟
أَنَا الذي عَلَى انتِظَارٍ دَائِمٍ
مَا كانَ عِندِي _
لَن يَكُونَ سِوَى حُلُمٍ
يَحمِلُنَا عَلَى رَاحَتَيهِ
يُوقِظُنَا مِن نَومٍ عَمِيقْ
يَا امرَأَةً _
شَمَمتُ أَرِيجَهَا المُتَنَاثِرَ
في بَيرُوتَ
وَعَلَى جَنَباتِ الطَّرِيقْ
بِاللَّهِ عَلَيكِ _
هَل نَحنُ في وَطَنٍ جَرِيحٍ
يَضِيعْ
أَم فِي أُمَّةٍ مُمَزَّقَهْ ؟
مَتَى يَضحَكُ الحَجَرْ
وَلا يَئِنُّ البَشَرْ ؟
مَتَى ..
ثُمَّ مَتَى يَعُودُ اليَمَامُ
إِلى سَاحَاتٍ تَضِجُّ بِالتَّرَانِيمْ
فَلا كِتَابَةِ تَبكِي
أَو تَنُوحُ
وَلا غَيمَ يَحمِلُ الدَّمَ وَالهَمّْ ؟
مَتَى يا امرَأة _
يَلُفُّنَا وِشَاحُكِ وَشَذَى جَسَدٍ
مُعَطَّرٍ مَبلُولٍ بِقَصِيدةٍ تَشَبَّعَتْ
مِن رَوَائِحِ الشَّجَرِ العَارِي ؟
مَتَى تَطرُقِينَ بَابِي
يَلِينُ صَخرٌ
يَستَفِيقُ نَهرٌ
يَنحَنِي بَدرٌ
إِحتِفاءً بِشَظَايَا مَاضٍ جَرِيحْ
ما كانَ إِلَّا حَاضِرًا
عَلَى ثَغرِ وَردَهْ
يَجتَاحُنِي ..
يُحَرِّرُنِي مِن أَوهَامٍ
يَحمِلُنِي إِلى خُطَى امرَأَةٍ
بَينَ الشَّجَرْ
تَحتَ المَطَرْ
ضَوَّأَتْ حُرُوفِي
بِلا قَندِيلٍ
بِلا نَجمٍ
بِلا مَنَارَهْ
وَلَم تَكتَمِلَ القَصِيدَهْ
شَأنُهَا شَأنُ هَذِي القَصِيدَهْ
ميشال سعادة
سبت النور 16/4/2022
جَرَت العادَةُ أن تَزدانَ كتَاباتِي بِلَوحاتِ رسَّامينَ أو (رسَّاماتٍ) بَلغُوا شَأوًا في الرَّسمِ من خلالِ ريشَةٍ احتَضَنَت الأنا والهو والكونَ ، فكانتِ الخطوطُ والألوانُ التي مَزجُها ينبعُ من الجِزئيِّ/الكُلِيِّ ، أو من الكلِيِّ/الجِزئِيِّ ، فكان للعينِ أن تَرَى ما يُرَى وما لا يُرَى ، وأن ترَى ما هو جِزئيٌّ مباشَرٌ ، وما هو أَبعدُ من الجِزئِيِّ يكشِفُ ، ويتجاوزُ العَينِيَّة .
الرسَّامُ إِذن مُبدعٌ .
هَذِهِ المَرَّة ، أَخرجُ على القاعدةِ ، أَتمرَّدُ ، أَثورُ لِتُواكبَ نصِّي الشَّاعرة المُلهَمةُ ندى الحاج ،
في قصيدةِ
“حروف”
من ديوان [ عابرُ الدَّهشة ]
( الصادر حديثًا عن منشورات المتوسط _ إيطاليا ، طبعة أولى ،
من العام 2020 ) .
للشَّاعرة ندى الحاج
( مواليد بيروت )
ثمانية دواوين شعريَّة :
_ صلاة في الريح (1988)
_ أنامل الروح (1994)
_ رحلة الظلّ (1999)
_ كلُّ هذا الحُبّ (2001)
_ بخفّة قمر يهوي (2006)
_ أثواب العِشق (2010)
_ تحت المطر الأزرق (2015)
_ عابرُ الدَّهشة (2020)
أُسارعُ إلى القولِ إنَّ الشَّاعرةَ
ندى الحاج ليستِ امرأةً عاديَّةً ، ولا حتَّى هيَ شاعرةٌ عاديَّةٌ . أنَّها تتمايزُ عن غيرِها منَ الشَّاعرات ، وحَتَّى الشُّعرَاء.
لذا ، أرفضُ تَوصِيفَها انطلاقًا من أَنَّ كتابتَها كتابةٌ مَرأَوِيَّةٌ عَادِيَّةٌ ، بِقَدْرِ ما هي كتابةٌ إنسانيَّةٌ وُجُوديَّةٌ تبنِي شاعريَّتَها انطلاقًا من علاقةٍ ” أُفُقِيَّةٍ “Horizontale ” بينَ الإنسانِ والإنسان ليكونَ لها ، تاليًا ، أن تَسمُوَ الى الهو الأعلى ، وَفْقَ علاقةٍ عاموديَّةٍ Verticale .
إنَّها في شعرِها تَنقَى وتَصفُو ، حُرُوفُها وكلماتُها الى حَدِّ شفافِيةٍ غَيرِ مَسبوقةٍ في الشِّعريَّةِ الحديثة .
هذي الشَّفافِيةُ غيرُ المَسبُوقةُ تُشكِّلُ أبجديَّةً ثانيةً ، لا زالت تسعَى الى تأسيسِها من خلال الحرفِ والكلمةِ : حَرفُها ينحرفُ عن حروفِ مَن كتبوا ، صوبَ كلمةٍ منها الكَلِمُ / الجُرحُ ، بمعنى أنَّها تنبعُ منَ الجرحِ الإنسانيِّ الى مُلكيَّةٍ جديدةٍ ليست من هذا العالَم .
أرى الى الشَّاعرةِ ندى الحاج
في قَصيدتها _
” حروف “
( ديوان _ عابر الدَّهشة ، ص 10 ) ، كاتبةً ورسَّامةً في آنٍ معًا . إنَّها كاتبةٌ تكتبُ حياتَها في ال ” هُنا ” ، وفي ال ” مابعد ” ، انطلاقًا من علاقةٍ مُتمايزةٍ بين ضميرَي الأنا ” وَكافِ المُخاطَبِ .
هذا المتكَلِّمُ والمُخاطَبُ تَماهيَا حاضرينِ تحتَ الشَّمسِ ، يلِفُّهُما وَهجُ القَمرِ ، في ظِلِّ نَجمةٍ وسَماء .
هذا ، وتعترف الشَّاعرةُ أنها كتبت الكثيرَ ويبقى الأكثرُ . ولا يخفى أنها ترسُمُ تحت ظلِّ أضواءٍ لافتةٍ ، تخرجُ على حروفِ ” الكتابِ ” ، الأسم المتعارفِ عليه ، وصولًا إلى اللَّوحِ الأكبر .
هذه الحروفُ المَرجوَّةُ ، هي حروفٌ من ذَهبٍ ، من صَنيعِ الراعي والناي ، بِمَا لهُما من رمزيَّةٍ ، تَنشدُ الحُبَّ الأقصى . على أنَّ مَنْ يَتَبَحَّرْ بعَينَي الحسيَّةِ والمُجرَّدةِ ، يرَ أنها ترسمُ مَشهدِيَّةً كاملةَ الأوصافِ ، من حيثُ المكانُ والزَّمانُ ، وما يترتَّبُ عَنهُما من صورٍ وأضواءٍ انطلاقًا منَ الجهاتِ الخمسِ ، وصولًا الى الجهةِ السادسة العليا ، حيثُ تكون لكتابتها قيامةٌ مجيدةٌ لأبجديَّتِها من ظلمة القبرِ الى القربِ المتوهِّجِ والتَّقرُّبِ النورانيّ منَ المخاطَبِ الكليِّ السَّامي .
تحياتي وإعجابي ومحباتي
عزيزتي الشَّاعرَة ندى الحاج
لإبداعِكِ المُتوهِّجِ والمُتَواصِل ..
فُصحٌ مَجِيد ..