
فقد توقّفت عند العنوان و صورة الغلاف لتتخلّص إثر ذلك إلى متن النّصوص التي عددها واحد و اربعون جا ء ت كلّها حسب تأكيد الدّارسة في نمط قصييدة النّثر التي بدتْ فاطمة محمود سعد اللّه مُتحمّسة لها حتّى لقد عدّتها ابنة شرعيّة للقصيدة العموديّة ممّا يعني أنّها ليست لقيطة حتّى و إن وفدتْ علينا من الغرب، فأصولها مُتجذّرة في تُراثنا…
و إذ وجدتْ المحاضرة قصائد ضيفتنا الشّاعرة جميلة بلطي عطوي متكوّنة في مجموعتها الأفق و النّوارس من مُكعّبات
مُتشظّية فقد قاربتْ بينها و بين اللّوحة الفسيفسائيّة التي من سماتها التّعدّد و التّنوّع المشروطان باستهداف الزّخرفة و الجماليّة عموما… و قد جاء توقّف الشّاعرة فاطمة سعد اللّه عند مضامين النّصوص الشّعريّة و فنّها مصداقا لهذا التّصوّر ، ففي مستوى الدّلالة رصدت الباحثة جملة من الثّنائيّات المتقابلة كالماضي و الحاضر و الحزن و الفرح… و دعّمت ذلك بنماذج من كتاب ضيفتنا الأفق و النّوارس كالقصائد التي تستدعي فيها الشّاعرة جميلة بلطي عطوي صورة الامومة المُفتقدة منذ الطّفولة ، ثمّ القصائد التي تبدو فيها الشّاعرة مهمومة بالقضايا العربيّة و الإنسانيّة الشّاملة كقضيّة فلسطين…. و قد وجدت الأستاذة المُحاضِرة نصوص صديقتهاَ مُنتَظَمَةً بغنائيّة الفقد دون ان يعدم القارئ في جميعها انفتاحا على المُستقبل و تعلّقا بالمنشود…
امّا في مستوى فنّ الشّعر ، أي طريقة القول، فقد لفت انتباه الدّارسة انكباب ضيفتنا الشّاعرة جميلة بلطي عطوي على تجويد لغتها و صقلها تماما كما هي مُنشغلة بنحت صور شعريّة أصيلة تقوم على الانزياح و الاستعارة و المجاز عموما مثلما تقوم في مواطن عديدة على تراسل الحواسّ…
هذه النّظرة البانوراميّة التي احاطت بها المحاضرة فاطمة سعد اللّه الكتاب كلّه بدء ا من العنوان والغلاف وصولا إلى متنه سمحتْ لها بان تستخلص حُكما شاملا نوّهت فيه بهذا الإصدار الجديد لشاعرتنا جميلة بلطي عطوي. ، فقد جاء علامة بارزة على ثرا ء تجربتها الإبداعيّة ككلّ و على انّها مهجوسة في مسيرتها برسالة إبداعيّة إنسانيّة شاملة…
إثر ذلك اُحيلت الكلمة إلى ضيفتنا فقرأت عددا من نصوص إصدارها الجديد حفّزت الحاضرين على التّفاعل معها و مع ما ورد في محاضرة الشّاعرة فاطمة محمود سعد اللّه فأثنوا على جهد المحاضِرة تماما كما نوّهوا بأصالة مسعى ضيفتنا الشّعريّ فقد وجدوا لغتها، على تقشّفها مأنوسة يستسيغها السّامع و القارئ معا ، فالشّاعرة لا تُجهد نفسها في البحث عن الشّعر بعيدا بل هي تعطف عليه ذائقتها في ما يُحيط بها يوميّا من احداث و اشياء تستنطقها فتهبها جوهر الإبداع.
و مع انّ ضيفتنا تتوسّل نمط قصيدة النّثر فإنّها لا تكتب دون ذاكرة بما انّ قولها الشّعريّ يسترفد الموروث منذ الجاهليّة مرورا بشعر البعث و الإحياء و انتها ء بتقليعات الحداثة عند الرّومانسيّين و عند شعرا ء قصيدة التّفعيلة و من تلاهم من شعراء القصيدة الأجدّ و الاكثر نزوعا إلى التّحديث عن طريق التّجريب… و لعلّ من اهمّ ما استبدّ بالحاضرين في تدخّلاتهم هو التّساؤل عن مدى وجاهة الاتّكاء في قصيدة النّثر على بعض قيم الوزن الخارجيّ التّابعة للقصيدة العموديّة كقيام الاسطر النّثريّة في آخرها على الاحتفاء بما يشبه الرّويّ في النّموذج الشّعريّ التّأسيسيّ .
و قد اختلفت الآراء بين من لا يستطيب ذلك و بين من لا يرى في الأمر بدعة و مُنكرا. امّا ضيفتنا الشّاعرة جميلة بلطي عطوي فإنّها تعتبر نفسها حرّة في ان تُطعّم قولها و تُغنيه بما تستطيبه فناعتها و وعيها من شتّى الأشكال الشّعريّة قديما و حديثا… و الحقّ يُقال إنّ ضيفتنا، و إن تلجأ احيانا إلى توظيف الرّويّ عنصرا من عناصر الوزن الخارجيّ تابعا للقصيدة الموزونة فإنّها لا تُسهب في ذلك كثيرا فيرد عندها ممجوجا، كما انّها لا تستعيض به عن الإيقاع الدّاخليّ و لا تغفل في نصّها عن الاعتنا ء بجوهر قصيدة النّثر المتمثّل في نحت الصّور الشّعريّة الآسرة و التي تَلفت القارئ و تدهشه. و لعلّ في ما ختمت به هذه الامسية البهيجة من قرا ء ات اوضح دليل على ذلك.
………. عبد العزيز الحاجّي……….